أولاً: التخطيط
عرض القرآن الكريم لأنموذج بشري في التخطيط ذُكر في معرض الإقراروالثناء جاء ذلك في سورة يوسف عليه السلام، في قوله تعالى: [وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍيَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ يَاأَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ * قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ وَمَا نَحْنُ بِتَأْوِيلِ الأَحْلاَمِ بِعَالِمِينَ * وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُمبِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِبَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍوَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ * قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِيسُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَسَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّاتُحْصِنُونَ * ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُوَفِيهِ يَعْصِرُونَ].
إن هذه الآيات تدل على أن يوسفعليه السلام قد رسم خطة للسنوات المقبلة،وأن التخطيط لا ينافيالإيمان فهو من باب الأخذبالأسباب.
كما تشير الآيات الكريمات إلى أولموازنة تخطيطية مبنية على أسس علمية،وازن فيها يوسف عليه السلامبين إنتاج وتخزين واستهلاك القمح في مصر الفرعونية مدة سنوات القحط وسنواتالرخاء،
وتتضح أركان هذه الموازنة التخطيطيةفيما يلي:
1 - الموازنة بين الإنتاج الزراعي والاستهلاك بهدفتخطي أعوام القحط والجدب.
2 - إن عنصر الزمن اتضح من عدد سنوات القحط وسنواتالرخاء إذ تم إعداد خطتين سبعيتين للدولة.
3 - إن هذه الموازنة بمثابة خطةطويلة الأجل امتدت أربعة عشر عاماً.
4 - استخدام الموازنة أداةًرقابيةً لتنفيذ الخطة بدقة.
فهي خطة زمنية وضعها يوسف عليهالسلام بإلهام من الله عز وجل لكسب الوقت في سنوات الرخاء بمضاعفة الإنتاج وتخزينهبأسلوب علمي للاستفادة منه في سنواتالجدب.
وقد عرّف بعض الباحثين التخطيط الإسلامي بأنه: "أسلوب عمل جماعييأخذ بالأسباب لمواجهة توقعات مستقبلية، ويعتمد على منهج فكري عقدي يؤمن بالقدرويتوكل على الله ويسعى لتحقيق هدف شرعي هو عبادة الله وتعميرالكون".
بينما عرفه آخر بأنه: " التفكر والتدبر بشكل فردي أو جماعي في أداء عمل مستقبلي مشروع مع ربط ذلك بمشيئةالله تعالى ثم بذل الأسباب المشروعة في تحقيقه مع كامل التوكل والإيمان بالغيب فيماقضى الله وقدّره على النتائج".
وباستعراض هذين التعريفين نلمس أنهبينمايحصر الأول التخطيط في الجماعةنجدالآخر يشمل في تعريفه الفرد والجماعة،كما أنهما يتعرضان للعمليةالتخطيطية في الإدارة بشكل عام.
ومن خلال التعريفين السابقين يمكنللباحثتعريف التخطيط في الإدارة الإسلامية في إطار إدارة الوقتضمن المنهجية التي تتبناها الدراسةبأنه: ( إعمال الفكر في رسم أهدافمشروعة، مع تحديد الوسائل المتاحة والموارد المباحة شرعاً، وبذل الطاقات فياستثمارها، لتحقيق الأهداف في أقل وقت ممكن، مع تعليق النتائج بقضاء الله وقدره ).
ويكون هذا التعريف شاملاً لجميع مراحل العمليةالتخطيطيةبدءًا بالتدبر والتفكر ومروراً برسم الأهداف وتحديد الوسائل،واستثمار الموارد المتاحة لتحقيق الأهداف في إطار فترة زمنية محددة، وانتهاءًبتعليق النتائج بقضاء الله وتقديره.
وباستعراض بعضِ نصوص القرآن نجد أن أهم عناصر التخطيط الإسلامي هي:
1 - تحديد الأهداف:
يعد تحديد الأهداف من أبرز سمات التخطيط التي دعا إليها القرآن الكريم إذ يقول المولى عز وجل: [أَفَمَن يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ] ولا شك أن من يمشي إلى هدف وغاية أهدى ممن يخبط خبط عشواء.
2 - تحديد الأولويات:
بعد تحديد الأهداف يتم تحديد الأولويات أي ترتيب الأهداف حسب أهميتها الأهم فالمهم وهذا مما يعين على كسب الوقت بإعطاء الأهداف ذات الأهمية الكبرى الأولوية في التنفيذ،
فحين أمر المولى عز وجل النبي (صلى الله عليه وسلم) بالدعوة في قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ * قُمْ فَأَنذِرْ]. فإنه حدد له أولوية دعوة الأقربين من عشيرته بقوله: [وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ]. وحين أمر سبحانه المسلم بالحذر من النار واتخاذ سبل الوقاية منها أمره أن يبدأ بنفسه ثم أهله، وذلك في قوله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ].
3 - استثمار جميع الموارد المتاحة:
يقــول الله عزّ وجــل: [هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُـمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِـهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِـهِ وَإِلَيْـهِ النُّشُورُ] (12) ويقول أيضاً: [اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ * وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ]. وغير ذلك من الموارد المتاحة التي أحل الله للإنسان استغلالها وعلى رأسها الوقت الذي هو أهم الموارد وأعظمها شأناً، والذي سخره الله لنفع الإنسان كما هو ظاهر الآيات السابقة.
4 - بذل الأسباب والوسائل المشروعة:
تحقيق الأهداف لا يكون إلا بالسعي وبذل الأسباب في استثمار كافة الوسائل المتاحة، وفي ذلك يقول الله عز وجل: [وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ ]. على أنه من الواجب على المسلم التحري في مشروعية الوسائل التي يستخدمها في تحقيق الأهداف فالغاية في الإسلام لا تبرر الوسيلة.
5 - تعليق النتائج بمشيئة الله:
من سمات التخطيط في الإسلام تحديد الأهداف وبذل الأسباب والتوكل على الله بعد ذلك في تحقيق النتائج وتعليق ذلك بمشيئة الله وتقديره، قال تعالى: [وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ]. والخطاب في الآية للنبي (صلى الله عليه وسلم) وأمته من بعده
.
[/size][/center]